الأربعاء، 23 أبريل 2014

أستسلم للكتابة كعاهرة ..


أستسلم للكتابة كعاهرة ..

(( الكاتب قد يخطىء او يخدع ويفقد الوعي ولكنه لن يخون رسالته عن وعي ، واني أخشى دائما ان تحجب الصداقة والقرابة والحب والعاطفة وحتى الكره والسخط ، النظرة الصادقة الى حقائق الأشياء ))
                                                        توفيق الحكيم

ويسألوني : لماذا إخترت ان تمتهني الكتابة ..؟؟
وأجيب : الكتابة قدر لاخيار لنا به .. ولو كنت قد خيرت فعلا لما إخترت أقسى مهنة عرفها التاريخ ..
مهنة تراق فيها دماؤنا ككتاب فوق السطور ..
مهنة نعتصرها وتعتصرنا كل يوم الف مرة ، حتى تخال ان حروفها تقتطع من أجسادنا وتنسل من شرايننا ..

فالكاتب يذيب قلبه فوق السطور .. يحرقه ويصهره .. ثم يصبه قي قوالب الكلمات.. بعد ان يخوض معركة ضارية مع عقله واحساسه .. تلك المعركة الأزلية التي لا تهدأ ساعة ولا تنتهي أبدا ..
الكاتب مهموم دائما ..
حزين وسعيد في آن واحد ..
عاقل ومجنون معا ..
يخطىء ويصيب في اللحظة نفسها لأن حالة العراك العقلي / العاطفي تفور عنده في كل الأوقات وتلازمه حتى أثناء نومه .. ثم تنطلق كسهاما مشتعلة فوق الورق ..
الكاتب في حالة شجار دائم مع عقله .. لايريحه ولا يهادنه ولا يقطع معه الحوار والمناكفة .. الا حين يفرغ ما بداخله كمداد يتراقص فوق الصفحات ..
وانا اختارتني فيمن اختارت الكتابة حتى أمسيت ملكا خالصا لها .. تسخرني كيفما شاءت وتؤرقني أينما بغت ..
تضحكني ان شاءت أوتبكيني ...
تنيمني أو تستبقيني ...
إختارتني تلك المهنة التي وصفها لي الراحل مصطفى أمين بأنها مهنة ( أخطر من الطيران ) ، وكان يعني هنا رحمه الله مهنة الصحافة

 إختارتني مهنة عشقتها وعشقتني .. لكن هذا العشق لم يمنعها من ان تدير لي ظهرها في لحظات الغضب .. فتستعصي علي الكلمات بل وتستحيل أحيانا .. فأتحول لطفلة صغيرة حرمتها أمها من لعبتها المفضلة التي لا تنام الا اذا إحتضنتها ..
وقد أغضب ساعتها من قسوة العقاب .. فأحلف بكل ماهو عزيز بألا أعود اليها ثانية .. وان الوقت قد حان فعلا للتحرر من الالام الوضع التي أعانيها مع كل مقالة أو حتى خاطرة ..
لكني أعود ..
كعاهرة سرى فيروسا خبيثا في دمائها أعود ...
أقول كعاهرة لأني أؤمن ان لكل منا عهره الخاص الذي يضعف ويستسلم أمامه ..
البعض يعهر أمام مبدأ أو عقيدة ..
والبعض يعهر أمام المال ..
والبعض يعهر أمام غرائزه الحيوانية التي يفرغها بأي شكل ، حتى لو كان مجرد شره للطعام ..
اما انا فأعهر أمام القلم وأعود ..
أعود فأرتمي في حضن الكلمات مستنجدة بها ان تتراقص فوق أوراقي لتقول ما عجزت عن قوله ولتعبر بما عجز لساني عن التعبير عنه ..
فالغريب ان احدى ميزات أو سيئات أي كاتب هي ان الناس يفهمون كلماته اذا كتب .. ولكن أبدا لا يفهمونها اذا خرجت من بين شفتيه ..!!

لذا تحكم الكتابة قبضتها علينا نحن معشر الكتاب والشعراء والأدباء ..
فنحن نمتطي صهوة الحروف ببراعة مادامت تخرج منا والينا ..
وعزائنا الوحيد في ذلك .. أننا نعبر عما نعتقد به ..
دون ان نضطر لبيع أصدقائنا من أجل المال ...
أو لبيع ضمائرنا تعصبا لقضية ..
أو حتى لزيادة أوزاننا بما لذ وطاب من أصناف الطعام ..
ودمتم ...

نشرت بمجلة بقلمها بتاريخ 
20/6/2009



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق